السبت، 28 يناير 2017

رسالة إلى العهد الجديد : التنمية من أجل الأمن


مكرم كامل 


يدخل لبنان عهدا جديدا بوصول الرئيس ميشال عون إلى سدة ارئاسة،  ودون شك أن الملفات والتحديات التي امامه كثيرة ومتشابكة، من الملفات الاقتصادية والسياسية الداخلية إلى الصراعات الاقليمية العربية في سوريا واليمن والعراق وغير ذلك، ومن هذه الملفات الملحة ملف الحركات المتطرفة وتداعياتها على الوضع الداخلي في لبنان، والدور او الاستراتجية التي سوف يعتمدها العهد الجديد في الحد من هذه الظاهرة التي تتفاقم مع الاسف
ويزيد انتشارها بين الشباب وفي بعض المجتمعات في لبنان.
ويبدو من خطاب القسم الذي ادلى به فخامة الرئيس ان الحل الامني والعسكري هو من اولويات العهد القادم، وفي الخطاب تشديد على دعم القوى الامنية والجيش في مواجهة هذه الجماعات، وهو بالتأكيد أمر مطلوب وضروري، لكن أيضا من الاوليات التي يجب أن تسبق الحلول الامنية والعسكرية التركيز على مصادر قوة هذه الجماعات وأسباب إنتشارها في مجتعنا وبين شبابنا، للعمل على تجفيف هذه المصادر والغاء الاسباب التي تسمح لهم بالتوسع والانتشار، ومن الضروري أيضا فهم استراتجية عمل المتطرفين والمراجع التي يعتمدونها في عملهم لفهم كيفة المواجهة على أكثر من مستوى.
إن الحركات المتطرفة  خاصة التي تدور في فلك القاعدة ومن انشق عنها من "جبهة النصرة " و"داعش"، وبعض الجماعات اللبنانية المرتبطة بها أو على الاقل تدور في نفس حيزها الفكري والعقائدي، تستند إلى مراجع ثابة ومعروفة تحدد أطر عملها التكتيكي، وتنظم استراتجياتها القصيرة والطويلة المدى في نشر معتقداتهم وتجنيد تابعين لهم، هذه الاطر والاستراتجيات معروفة المصادر والتفاصيل، لكن للأسف غالبا ما تنسى او تتغابى الحكومات والاجهزهة الامنية عن هذه المعلومات، وتستسهل  الحلول الجراحية  الامنية السريعة  والتي تعطي نتائج عكسية على المدى البعيد وتصب في مصلحة  هذه الحركات وضمن استراتجيتهم.
في كتاب " ادارة التوحش" وهو من تأليف ابي بكر ناجي وهو شخصية افتراضية كما بعتبر البعض، يحدد بشكل كبير  معالم العمل العملاني للحراكات المتطرفة  داخل المجتمعات، وهو قائم بصورة عامة على فكرة اجبار الدولة المستهدفة  بالتركيز على الامن مقابل التنمية خاصة في الاطراف، حيث يدعو الكتاب الى تخريب الامن في الاطراف والمناطق الفقيرة البعيدة عن المركز، مما يجبر الحكومات الاعتماد اكثر على الامن، والانفاق على الاجهزة الامنية والعسكرية لانهاكها ماديا مما يؤدي إلى إهمال التنمية في هذه الاطراف، وهذا يؤدي الى ابتعادها عن حكم الدولة المنهكة  حيث تصل إلى ما يسميه الكتاب التوحش ، وهو المرحلة التي يصبح فيها المجتمع متفلتا من حكم الدولة المركزية وغير مرتبط بها، ومعتمدا على الادارة المحلية ، وهنا يأتي دور هذه الجماعات في ادارة التوحش كما يطلقون عليه، ومن خلال استلام الادارات المحلية وتنفيذ ما يسمونه الشريعة، يتم قولبة المجتمع ضمن مفاهيم جديدة تتناسب من عقيدتهم، حيث تتحول هذه الجماعات بديل عن الدولة يلجئ اليها المجتمع إلى حل مشاكله، وبالتالي أي مواجهة مع قوى الدولة بعد ذلك سيكون له تإثيرات عكسية تصب في مصلحتهم وتزيد من تكتل المجتمع حولهم.
إذا اسقطنا هذه الطروحات الواردة على الوضع في لبنان ، من السهل ملاحظة نجاحهم في ذلك، حيث يمكن رصد انتشار الجماعات المتطرفة في الأطراف الفقيرة، حيث حضور الدولة اضعف ومؤسساتها اقل قدرة على المساعدة، وقد اعتمدت هذه الجماعات  اساليب الضربات الامنية المتفرقة جغرفيا والتي تستهدف الجيش اللبناني في اغلب الاحيان، وذلك لجر الدولة لتعزيز الحضور الامني والعسكري في هذه المناطق ، ما يؤدي إلى مضايقة سكان هذه المناطق بسبب التشدد الامني ، وإلى صرف الدولة المزيد من الاموال على الامن مقابل الخدمات، وهو تحديدا ما يسعى اليه المتطرفون ، وللأسف غالبا ما تكون ردات فعل السلطة في مصلحتهم.
لبنان اليوم على أبواب عهد جديد، يحمل مخلفات العهود السابقة ومشاكلها، خاصة في ما يتعلق بملف الحركات الاسلامية ومسجونيها والجماعات المتطرفة التي ما زالت تتغلغل وتنخر في شبابنا، ومن الواضح رغم كل الانجازات الامنية الكبيرة التي تحققت إلا أن تواجد وانتشار التطرف ما زال كما هو، وما زال الكثير من مناطقنا تحتضن وتتقبل افكارهم وطروحاتهم، لذلك على هذا العهد الجديد أن يبحث بجدية ووعي وعلم اعتماد مقاربات جديدة بالتوازي مع الحلول الامنية والعسكرية من أجل مواجة انتشار التطرف مجتمعيا وتجفيف مصادره المالية والاجتماعية والحد من تأثيره على الشباب، ولايمكن الوصول إلى ذلك إلا عبر التنمية بكل اشكالها الاجتماعية والتربوية والافتصادية خاصة للمناطق المستهدفة من قبل المتطرفين، وعدم الافراط في استعمال الحلولو الامنية المباشرة او استعراض القوة المفرط، والتركيز بشكل كبير على الخدمات المرتبطة مباشرة بالدولة ومؤسساتها لتعزيز حضورها في الاطراف في مواجهة توحيشها من قبل المتطرفين، وقد يكون ملف التربية والتعليم واحدا من أكثر الملفات الحاحا وضرورة للعمل عليه ضمن مقاربة جديدة وواعية لا تسمح بإستغلاله من قبل هذه الجماعات كما يحصل اليوم في كثير من المدارس الرسمية التي تحولت إلى منابر للمطرفين ومراكز لنشر فكرهم بين طلابنا.
ويبقى القضاء حجر الزاوية، حيث لا مجتمع سليم دون عدالة، وهذا يطال كل اللبنانيين بكل مكوناتهم، ويطال بشكل خاص أهالي الموقوفين في القضايا الامنية والسياسية، وأبرزهم الموقوفين الاسلامين، والتي تحولت قضيتهم إلى مظلومية كبيرة بغض النظر عن من هو مذنب أو بريء، فلا يجوز أن يقبع عشرات منهم دون محاكمة عادلة تعيد الثقة للقضاء وللدولة.
الصراع مع التطرف بكل أشكاله معركة طويلة تأخرنا عنها كثيرا، ولا يجب التأخر أكثر من ذلك حرصا على اجيالنا القادمة ومستقبلهم، وهو مسؤلية الدلولة والمجتمع عامة وبكل مكوناته، لان نتائجه لن تقف عند طائفة او منطقة بل ستدمر الوطن كله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق