الأربعاء، 30 مارس 2011

سوريا النظام وسوريا الشعب

قبل ان اتناول الموضوع السوري وما يدور اليوم في شوارع ومدن سوريا، لا بد ان اعرف عن نفسي ، وهو شر لابد منه لكل لبناني يتناول الحراك السياسي في سوريا اليوم، واهم ما يجب توضيحه اني من المعادين لكل ما يمثله جماعة ثوار الارز وفريق 14 اذار، وبما اني ضد النظام السوري فمن البديهي اني على خلاف ايضا مع فريق8 اذار، وبعد هذا التوضيح "الثقيل الدم" والذي لا بد منه استفيض .
مما لا شك فيه ان لسوريا بعض التميز عن باقي الدول العربية، هذا التميز عميق في تاريخ هذا الشعب ونضاله من اجل التحرر، وقد عرفت سوريا الكثير من الثورات والانتفاضات منذ العهد العثماني وصولا الى فترة الانتداب وما تلاها من صراع عربي اسرائيلي، ومما لاشك فيه ان فترة الاسد الاب وحلفه السوفياتي وتحديه لكل المحيط العربي الاميركي، ميز السياسة السورية واعطاها نكهة خاصة مختلفة عن باقي الانظمة الاخرى، وجعل بين الشعب والنظام -خاصة في فترة الاولى لحكم الاسد الاب - علاقة متبادلة مبنية على مفهوم قومي عربي، مرتبط بالتحرر والنضال على صعيد يتخط الحدود السورية، ويجعل سوريا محور اساسي وهام في رسم اللوحة السياسية في المنطقة، مما عزز الروح الوطنية - القومية لدى المجتمع السوري
لكن هذا الدور النضالي والتمايز الاستراتيجي لم ينعكس بشكل ايجابي على الصعيد الداخلي،خاصة على الحياة اليومية والهموم المعيشية المباشرة للمواطن، بل كان له في كثير من الحالات اثر سلبي على الشعب السوري، ويعود ذلك الى اسباب عديدة منها ما هو مرتبط بطبيعة النظام السوري من داخله، ومنها ما هو مرتبط بعدة ظروف خارجية لها ارتباط مباشر بالبعد الاستراتيجي والدور السوري في المحيط الاقليمي 
 من الظروف الخارجية التي لها تأثير مباشر على الداخل السوري، مرتبط بشكل اساسي بدور سوريا في الصراع العربي الاسرائيلي كجبهة اساسية استمرت في المواجهة والممانعة، ورفض التوقيع مع الكيان الاسرائيلي، ودعم الحركات المقاومة عبر فترة زمنية طويلة، مما فرض على هذا النظام استحقاقات كبيرة من تسلح  ودعم لهذه المنظمات والاحزاب الحليفة، وتعزيز قدرات الدفاع،هذه الالتزامات كانت على حساب القوة الاقتصادية للشعب السوري وقدرته على التطور والانتعاش ، مما ادى الى حرمانه من كثير من الحقوق الاقتصادية، زادتها سياسة الانفتاح التي اعتمدها الاسد الابن قسوة وانقسام بين طبقات الشعب، من جهة اخرى استغل رجال النظام من اعلاه الى اسفله شعار اولوية الصراع واهميته والتعلل بالظروف الاستثنائية، لفرض سياسة صارمة تحكم الشعب سياسيا واقتصاديا تحت شعارات اولوية الصراع وتحصين الامن القومي 
اما داخليا و بعد استلام الاسد الاب وحكم حزب البعث، اعتمد النظام السوري حكم الحزب الواحد، قامعا كل الحريات ومكرسا حكم الشخص الواحد عبر قوة الجيش والمخابرات، وتكريس الشكل الديكتاتوري الصلب المغطى بشعارات ديمقراطية هشة لاتقنع المواطن السوري، ومع استمرار  حكم حزب البعث تحول قادة هذا الحزب الى قوى اقتصادية مهيمنة على الحكم ومستغلة لكل قدراته الاقتصادية، مشكلة طبقة برجوازية حاكمة ومهيمنة تحت شعارات وطنية وعروبية يعرف السوريون انخا فارغة في معظمها 
بعد رحيل حافظ الاسد وتوريث ابنه بشار، وما رافقها من تغيرات كبيرة في موازين القوى عالميا واقليميا، دخلت سوريا في مرحلة جديدة لمن تكن افضل حال على وضع المواطن السوري ، فمع بقاء الحكم الديكتاتوري وغياب الحريات دخلت سوريا في سياسة الانفتاح الاقتصادي على طريقة ونصائح البنك الدولي، هذا الانفتاح زاد من الانقسام الطبقي في المجتمع السوري، وادى الى حرمان الفقراء من بعض التقديمات ولو كانت قليلة التي امنها لهم النظام سابقا .

اليوم الشعب السوري كغيره من شعوب العالم العربي يطمح الى مزيد من الحرية والكرامة، ويطالب بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية وحقه في المشاركة والتعبير عن رأيه، وما يحصل في الشارع اليوم يمكن ان يحمل اكثر من معنى واشارة 
وان كنا نصدق خطاب النظام في سوريا، ان ما يحصل هو مجرد مؤامرة لضرب سوريا الممانعة وحاملت لواء المقاومة ، فلا بد لنا ان نلاحظ ان قدرة المعادين للنظام السوري على تحريك الشارع سببها طبيعة هذا النظام وما يمارسه من قمع لشعبه، والذي جعل من المجتمع السوري ارض خصبة وصالحة لنمو حركات معارضة قد يكون بعضها مشبوها 
وفي كل الظروف ومع قناعتي ان من حق الشعب السوري الثورة بكل الطرق التي يرتئيها ويراها مناسبة، علينا ندرك ان المشكلة الاساس ليست في ما يضمره الاخرون من عداء لسوريا، بل هي طبيعة النظام القمعي والبرجوازي المهيمن على قرارت البلد ومقدراته والحل هو في تغيير اساسي في تركيبته، وتعزيز الحرية والمساوات والديمقراطية، وعبر التغيير حقيقي لطبيعة النظام السوري، يمكن تعزيز القدرة على المواجهة واستمرار الخط  الاستراتيجي الممانع، وبقاء الدور السوري الفعال في ادارت الصراع مع الكيان الاسرائيلي، وعلى اسس متينة واضحة ولا تكون على حساب حرية وحقوق الشعب، بل يكون هذا الشعب هو الظهر الحامي لنظامه المنبثق منه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق